• 2019-12-01

ذكريات الماضي: أحاسيس ومشاعر

 ا. أحمد علي العطاوي

الكاتب / ا. أحمد علي العطاوي

ها قد طويت من العمر صفحات، وأمست ذكريات، وكلما مر طيفها بمخيلتي، أو شاهدت صورة من ذاك الزمان، عادت بي الذكريات والحنين لتلك الأيام، فأفتح صفحات الماضي فتشعل أحاسيسي ومشاعري.
وها هو ذا قلمي يأخذني في رحلة، مستأنسًا بتلك الأحاسيس والمشاعر.
أعيش تلك الأيام وكأنها الواقع، تأخذني سنة الذكريات، تطول أو تقصر، أعيش بين قلوب ساحرة في عواطفها وبساطتها، مترابطة في حب ووئام وصفاء، تأخذني الذكريات فى رحلة الحيوية والنشاط في ذهاب وإياب مع الأحبة في ليل ونهار، لقاءات يومية وأنشطة لا تتوقف، نفوس لا تكل ولا تمل، يدفعها الحب والإخلاص، تواصل دائم بين القلوب والأرواح، من حلقة في المسجد، إلى لقاء في النادي (الإصلاح)، ومن لقاء حبي عند المسجد إلى نشاط رياضي، ومن درس إلى طلعة برية أو ساحلية أو رحلة أسبوعية.
لا يكاد يغيب أحد الإخوة عن ناظرنا حتى ترى الجميع يبادر بالسؤال عنه وتقصي أخباره، وزيارته في ليل أو نهار؛ للاطمئنان عليه والوقوف بجانبه والعمل على قضاء احتياجاته، فإذا كرب أو مرض كأنك أنت المكروب، وإذا فرح فرحت كأنك أنت هو وهو أنت، ولم تكن بعد هلّت علينا وسائل التواصل الاجتماعي بغثها وغثيثها، فكان الاتصال الروحي هو وسيلة التواصل الحي بيننا. قال الله تعالى: "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم".
ذكريات لاحصر لها، ولكن قلمي أصرَّ على البدء برثاء من فقدناههم ورحلوا ولم ترحل ابتسامتهم ومشاعرهم وكلماتهم ولا تعابير وجوههم (رحمهم الله وجمعنا بهم في مستقر رحمته) وبين يدي العدد 61 من نشرة الراصد 1418ه 1997م وفي العدد كلمات في الفقيد الراحل (صلاح محمد الخاجة) الإنسان الهادئ والبسيط، يجذبك كلامه وتؤنسك ابتسامته، صادق في أخوته، وكذلك هم باقي الإخوة، تربوا على خلق هذا الدين العظيم، فكانوا نبراسًا في الالتزام وقدوات في الأخلاق (رحمهم الله وأسكنهم الفردوس).
وتتوالى الذكريات، فهذه مجموعة من قصاصات الورق وبعض الصور، وأعداد من نشرة الراصد، كلها تحكي ماض جميل، ماض ولكنه حاضر حي، وكثير من الإخوة الذين شاهدوا هذه الصور أو قرؤوا تلك الوريقات قد عبّروا عن مشاعرهم وأحاسيسهم بكلمات ملؤها الحنين إلى الماضي وجماله وجمال روح من عاصروهم في تلك الحقبة (الله على ذاك الزمان، ما أحلى تلك الأيام، لقد هيّجت المشاعر، هل عندك مزيدًا منها).
ولنستعرض بعضًا من هذه الصور:
هذه صورة لفريق من فرق دورة شوال في الثمانينيات، وجوههم تأخذك في رحلة داخل تلك القلوب الطاهرة المفعمة بالمحبة ورقة الأحاسيس والمشاعر.
وهذه صورة أخرى اعتلى فيها مجموعة من الإخوة صخرة كبيرة بحجم مشاعرهم وعلو أحاسيسهم، وهذا ما تنبؤنا به تلك الوجوه المضيئة المشرقة والنفوس المفعمة بالحيوية والنشاط.
يقول الشاعر:
ولي إخوة يسقي الضياء وجوههم
أقلهم نورًا أوان الدجى بدر
وصورة أخرى قد ارتمى فيها الإخوة على الأرض بين الصخور بعد قطع مسافات طويلة بالباصات الحبيبة، وقد استأنست الأرض وتهلّلت لضمها تلك الأجساد التقية النقية،في حب متبادل حتى مع الأرض.
وهذه صورة وتلك أخرى، وقد اخترقت نظرات القلب تلك الصور قبل العين، أحسست أن الزمن عاد بي عقودًا لأستمتع مرة أخرى بكل ما حواه ذاك الزمان من جمال وطيبة وحب ووئام.
ارجع أخي إلى ما عندك من صور ومذكرات وأشرطة وعش ذاك الزمن وتفكر وتأمل، ستشعر أن جذوة من الماضي أحيت نفسك ومشاعرك فستسعد وتسعد.
يقول الشاعر:
ترى هل يرجع الماضي فإني
أذوب لذلك الماضي حنينا
نعم هل يرجع الماضي؟ في الحقيقة لا يرجع ولكنها أحاسيس ومشاعر جالت بالنفس، فكانت هذه الرحلة التي أحيت الروح وأمدتها بالطمأنينة والارتياح.
ختامًا: أتوجه بهذه الأسطر إلى "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبة ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا".
أساتذتنا ومعلمينا ومربينا: جزاكم الله خيرًا على ما بذلتم من جهد لإيصال الخير إلينا، يا من صبرتم وجاهدتم، أعتقد أن ما بذرتموه قد نمى وعلا وأينع وتم الحصاد، وقام أبناؤكم بتوصيل الأمانة إلى جيل المستقبل، نسأل الله لكم الرحمة والمغفرة وحسن الجزاء، وطول العمر لمن لا زالوا على الدرب سائرين.
وكلمة إلى جيل المستقبل:
أتمنى مزيدًا من الترابط والأخوّة الصادقة؛ بأن يحرص الأخ على تفقد إخوانه ومراعاة مشاعرهم، والعمل معًا للتمسك بتعاليم ديننا الحنيف، وخاصة في هذا العصر الذي يموج بالفتن، قال تعالى: "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
وفق الله تعالى الجميع لما يحب ويرضي..

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...