• 2020-05-01

هل طرقت إدارة التغيير أبواب العمل الخيري؟

د.علي عبدالغفار

الكاتب / د.علي عبدالغفار

حينما أحدثك عن إدارة التغيير فقد تذهب بذهنك إلى إدارة الشركات الربحية والمؤسسات الاستثمارية وإدارة الأعمال حيث المال والمنافسة على الأسواق والصراعات على الموارد, لكني اليوم أحدثك عن إدارة التغيير في قطاع من أهم القطاعات في الوطن العربي والإسلامي إنها إدارة التغيير في قطاع العمل الخيري الطوعي.
بداية يُقصد بإدارة التغيير: هي سلسلة الجهود المستمرة والبعيدة المدى الهادفة إلى تحسين قدرات المنظمة على إدخال التجديد ومواكبة التطور، وتمكينها من حل مشكلاتها ومواجهة تحدياتها من خلال توظيف النظريات والتقنيات السلوكية المعاصرة، واستيعاب الحضارة التنظيمية. وإعادة صياغتها واعتماد البحوث الميدانية ودراسات العمل والاستعانة بخبراء التغيير والتطوير من داخل المنظمة وخارجها لوضع خططها والإسهام في متابعة تنفيذها - إذن فهي الجهود الرامية إلى زيادة فاعلية تلك المنظمات الخيرية.
وقد أصبحت الإدارة من أعظم القوى المؤثرة في عالمنا ولها دور حيوي وفاعل في كل المجالات وخاصة في مجال القطاع الطوعي، فإدارة اليوم إدارة تغيير وإبداع وابتكار، حيث يسود عالم الإدارة في الوقت الحاضر حالة من التغيير المستمر والتطور الدائب ليشمل كل عناصر الإدارة، وتتبلور أهم سمات وملامح هذه الحالة السائدة في سلسلة متلاحقة من التغيرات والتحولات العالمية طالت أغلب عناصر نظام الإدارة ، حيث تتمثل في عملية الابتكار وتطوير نظم الإدارة التي تتسم بالسرعة والمرونة وارتفاع الجودة.
فالتحولات العالمية في الوقت الحاضر مثل العولمة ومنجزات العلم والتكنولوجيا وثورة الاتصالات والمعلومات تحمل العديد من التحديات المعاصرة والمستقبلية، هذه التحولات تضغط على قدرات القائمين على المنظمات والجماعات الطوعية والخيرية لمواجهتها والتكيف معها مستخدمة في ذلك الآليات الملائمة لها، كإعادة رسم السياسات والاستراتيجيات وإعادة التنظيمات وإعادة هندسة نظم العمليات الإدارية في كل منظمة خيرية، أو التطوير والتجديد والتحديث الحتمي والضروري، وما شابه ذلك لتحقيق التوازن والتفاعل الذي يولد حركة النُظم.
فالإدارة تنتقل بسرعة من الأشكال الثابتة إلى الأشكال المؤقتة في مجال التنظيم، ومن الدوام إلى الزوال في جميع مجالات قطاع الأعمال الخيرية والجماعات الطوعية.
هذا يعنى أن المنظمات الخيرية المعاصرة من المُفترض أن تتخذ أشكالًا وصيغًا في ظل التغيير المستمر المتصارع والمتلاحق، حيث إدارة اليوم كما أنها إدارة المستقبل، وما يطرأ عليه من آمال وآلام بسبب الضغوط التي يعكسها التغيير كنتيجة لاستمرارية الحياة.
تواجه المؤسسات والمنظمات والجماعات الخيرية بكافة عناصرها العديد من التحديات نتيجة التغييرات والتطورات العالمية والمحلية، والتي باتت جميعها تشكل واقعًا جديدًا يفرض علينا ضرورة إعادة النظر في كافة مكوناتها وأساليب ممارستها.
فهل دخلت فكرة التغيير وطرقت باب المنظمات الخيرية والجماعات غير الهادفة للربح؟ ومن ثم هل استطاعت إدارة التغيير تحقيق أهداف المنظمات الخيرية والطوعية, حتى تستطيع أن تواكب التطورات العصرية أم ما زالت تلك المنظمات تقبع وتسكن في حظيرة النمطية، وتقف عند برامج ووسائل وأنظمة جامدة متصلبة, وبالتالي منعزلة عن البيئة الخارجية لها وبعيدة عن التطورات العصرية والتحديات التنافسية في سوق العمل الخيري والطوعي؟
مما لا شك فيه أن هذا الموضوع يشكل أهمية كبرى، وخاصة في دول العالم الإسلامي لاحتياجه للمنظمات الخيرية والقطاع الطوعي بشكل هام للمساهمة في تشكيل المجتمع المدني لهذه الدول, ومن العجيب أن الدول الأجنبية المتقدمة والتي ليس لها دافع شرعي في العطاء للعمل الخيري مثل الدول الإسلامية، ومع ذلك فإن هذه الدول تتقدم في قطاع العمل الخيري تَقدم بالغ ويرجع ذلك إلى جودة الإدارة وقدرتها على إدارة التغيير داخل كل المنظمات والكيانات الخيرية وهذا ما ننشده وننتظره من رواد العمل الخيري في دول العالم الإسلامي.
وختامًا: الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو التغيّر نفسه فمن أدركه ووعى بحتميته؛ نجح وتغلب على مشاكله، ومن تجاهله وغفل عنه؛ جرفه تيار التخلف وتقزّم.. فانتبهوا يرحمكم الله.

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...