• 2021-02-07

من وضع علم النحو

الكاتب / أ.د. علي محمد نور المدني

لا أحد ينكر جهد أبي الأسود الدؤلي في أوليات النحو، من خلال الإشارة إلى بعض المصطلحات النحوية فقد أشار ابن سلام الجمحي إلى سبقه إلى ذكر بعض المصطلحات النحوية كالفاعل والمفعول والمضاف وغيرها. وكان يقول عن نفسه:" إني لأجد للحن غمزًا كغمز اللحم".
هذه الرواية تؤكد فرط حساسيته رحمه الله من اللحن في اللغة، وشدة نفوره منه، ولكنها لا تثبت أنه مؤسس النحو، فقد سبقه إلى مثل هذه المعاني كل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد روى أبو بكر بن الأنباري - في مقدمة كتابه القيم: إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل - عدة روايات في ذلك، معظمها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإن لم يكن فيها مصطلحات نحوية؛ لأنها كانت موجهة ضد اللحن، ولكن أبا الأسود - رحمه الله - أضاف بعض المصطلحات النحوية. وكذلك ذلك لا يدل على أنه أول من وضع علم النحو، بل إن عمله كان بتوجيه من علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - أمره أن ينحو نحو ذلك، أي نحو ما ذكره من مصطلحات، قيل: ولهذا سمي النحو نحوًا. ومن أسف أن المصادر بعد ذلك لا تدلنا على تاريخ تطور النحو. وإن وردت إشارات إلى شيء من الطبقات القديمة التي قيل: إنها الطبقات الأولى! وفيها بعض الأعلام المعروفة كميمون الأقرن، وأبي عمرو بن العلاء، وعنبسة الفيل، وعيسى بن عمر، ونصر بن عاصم الليثي، وعبدالرحمن بن هرمز وغيرهم. هؤلاء وضعوا بعض اللبنات الأولى في صرح النحو. وقد يحق أن يذهب الباحث المحقق إلى أن المؤسس الحقيقي هو الخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه رحمهما الله. فهما اللذان أرسيا دعائم النحو ودونا قواعده. ولسيبويه الفضل العظيم في تبويب القواعد النحوية، وتدوين مصطلحاتها. وقد نشرت قديمًا بحثًا في ذلك، ورأيت فيه تعذر البت في مؤسس واحد للنحو، وهذا شأن ظهور العلوم، تسبقه إرهاصات كثيرة تتراكم حتى تصل إلى شيء من الثبات، ثم تتطور بعدها.
والحق أن الجهود التي خلفت سيبويه رحمه الله لا تكاد تعدو شروحًا وتعليقات واختصارات لما جاء في كتابه إلا نادرًا. ولولا كتاب سيبويه لما وصل إلينا النحو ناضجًا كما بوبه في كتابه، ولا غرو إن زعمنا أن كل من درس النحو من زمانه إلى يومنا مدين له.
وهذا التطور الطبعي للنحو يدل على أنه علم عربي أصيل خلافًا لافتراءات بعض المستشرقين بأنه تأثر بالمنطق اليوناني القديم، عن طريق السريانيين الذين كانوا في العراق، ولا دليل على ذلك قطعًا.