• 2021-05-16

ماذا يعني ارتداد الفنّانة الخليجيّة وتهوّدها؟

الشيخ د.خالد السعد

الكاتب / الشيخ د.خالد السعد

أفلح الغزو الثّقافيّ في تلويث أفكار وعقول فئة من أبناء المسلمين، ولشدّة تأثيره صار البعض منهم ينقلب بين عشيّة وضحاها من الإيمان إلى الكفر، وهو ما حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما قال: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَض من الدّنيا)[صحيح مسلم: 118].
وآخر ما قرأناه من حوادث الارتداد: ما نشرته الصّحف وتداولته وسائل التّواصل عن نبأ ارتداد فنّانة خليجيّة وتهوّدها، ولولا ما وجّهته ضدّ الإسلام من تهم زائفة، ما حرّكت قلمي لكتابة هذه المقالة، ولكان شأنها شأن سلُوم، وهو رجل مغمور، كان نصرانيًا فاعتنق الإسلام بحثًا عن الشّهرة والمكاسب الشّخصيّة، فصار مثلاً على ألسنة النّاس حتّى قالوا: سلُوم ما زاد في الإسلام خردلة ولا النّصارى درت بإسلام سلُوم!
وهذه والله لن يكترث يهود العالم بتهوّدها لسببين: أوّلهما: أنّ ديانتهم مقفلة على الشّعب اليهوديّ فلا يقبلون بانضمام الآخرين إليهم. وثانيهما: أنّ الدّافع الّذي لأجله انقلبت هذه الفنّانة هذا المنقلب – وهو ما زعمته من استحقار الإسلام للمرأة واضطهاده لها وعدم إعطائها حقوقها بالكامل – متجسّد في دينهم أكثر من أيّ دين آخر، فنصوص توراتهم الّتي بين أيديهم تنتهك حقوق المرأة وتهينها بما لا مزيد عليه.
ولو أنّها استشمّت رائحة العلم وقارنت بين الدّينين لما انجرّت إلى ما انجرّت إليه – حتّى هان عليها التّخلّي عن هويّتها والرّجوع عن الدّين الحقّ الذي بشّر به موسى وعيسى والنّبيّون عليهم السّلام – ولأدركت من أوّل وهلة الفارق العظيم بينهما، ولننقل بعضًا من ذلك على سبيل المثال، وغيره يقاس عليه.
1. أصل الخطيئة : المرأة في التوراة هي أصل الخطيئة، لأنّ حوّاء هي الّتي أغرت آدم بالمعصية لذا استحقّت اللّعن والعقوبة من الله. أمّا في القرآن فلم تنفرد حوّاء بالأكل من الشّجرة بل كان الخطأ منهما معًا والإغواء منسوب إلى الشّيطان : ((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ))[البقرة: 36]، بل نسب القرآن الخطأ إلى آدم بالأصالة: ((وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ))[طه: 121]، كما أنّهما اشتركا في النّدم والتّوبة ولم ينفرد آدم بذلك : ((قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[الأعراف: 23].
2. طالع نحس: جاء في التّوراة (المرأة أمرّ من الموت وإنّ الصّالح أمام الله ينجو منها)، ومن أدعيتهم الّتي يتلونها كلّ صباح (مبارك أنت يا رب لأنّك لم تخلقني وثناً ولا امرأة). أمّا في الإسلام فالمرأة لم تعد طالع نحس يُتشاءم منه بل نعمة تشكر، لما وراءها من فضل الله ومثوبته، وورد في الحديث: (الدّنيا متاع وخير متاع الدّنيا المرأة الصّالحة)[صحيح مسلم: 1467]. وفي خَلق الذّكر والأنثى تكمن حِكَم وغايات ولذلك استحقّا معًا أن يقسم الله بخلقهما: ((وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ))[اللّيل: 3].
3. كائن نجس : الأنثى في التّوراة كائن نجس، وفي التّلمود وهو الكتاب الثّاني عند اليهود تعتبر الأنثى (حقيبة مملوءة بالغائط). ومنذ ولادتها يبدأ التّمييز بينها وبين الذّكر، فمدّة نجاسة الأمّ بعد ولادتها للذّكر أسبوع واحد تقضي بعده ثلاثة وثلاثين يوماً للتّطهّر من الدّم، أمّا إن ولدت أنثى فإنّ مدّة نجاستها أسبوعان ومدّة التّطهّر ستّة وستّون يوماً. والكهنة لا يتزوّجون المطلّقات والأرامل لأنهنّ نجسات. وإذا مسّت المرأة الشّال الّذي يرتديه الرّجل للصّلاة فلا يجزئ غسله ويلزم استبداله. وكلّ ما تضطجع أو تجلس عليه المرأة في طمثها يكون نجساً. والمرأة اليهوديّة إذا حاضت أصبحت منبوذة وفرضوا عليها مقاطعة شاملة فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها واعتزلوها ولم يجتمعوا معها في غرفة واحدة. ولا ندري ما هو ذنبها لتعامل بتلك القسوة في أمر كتبه الله عليها. أمّا الإسلام فليس فيه شيء ممّا تقدّم، فلا الأنثى كائن نجس ولا الحائض نجسة، ولم ير مانعاً من مخالطة المرأة خلال الدّورة الشّهريّة، ولم يمنع الزّوجين أن يستمتع كلاهما بالآخر بعيداً عن الفرج، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل ويشرب ويجلس وينام مع نسائه أيّام الحيض، وتشرب إحداهنّ وهي حائض ثمّ تناوله الإناء فيضع فاه على موضع فيّها.
4. كائن شيطانيّ: كلّ من طالع التّوراة وما تضمّنته من قصص وحكايات، انطبقت في مخيلته صورة مشوّهة ودنيئة عن المرأة وكأنّها كائن شيطانيّ، وأنّها مخادعة وكاذبة وخائنة، وأنّها تعلّم ابنها الكذب على أبيه والغدر بأخيه، وأنّها وسيلة إزعاج لأبوي الزّوج ومشاكسة لهما، وأنّها في غاية الفظاعة والرّذيلة والانحراف. بينما نجد الإسلام قد كرّم المرأة باعتبارها إنسانًا، لها ما للرّجل من حقوق وعليها ما على الرّجل من واجبات إلاّ ما اقتضته طبيعة كلّ منهما: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ))[البقرة: 228]، (إنّما النّساء شقائق الرّجال)[سنن أبي داود: 236] لأنّهما مخلوقان من طينة واحدة وينحدران من أصل واحد: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً))[النّساء: 1]، ثمّ بعد ذلك كرّم الإسلام المرأة باعتبارها أُمًا فجعل برّها من أصول الفضائل وجعل حقّها أوكد من حقّ الأب. وكرّمها باعتبارها زوجة: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [النّساء: 19]. وكرّمها باعتبارها بنتًا أو أختًا: (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو ابنتان أو أختان، فأحسن صحبتهنّ واتّقى الله فيهنّ، فله الجنّة)[سنن التّرمذيّ: 1921]. وجعل الإسلام المرأة شريكًا للرّجل في الدّعوة إلى الخير ومقاومة الشّرّ: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ))[التّوبة: 71]. وساوى بينهما في الجزاء الأخروي: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ))[آل عمران: 195].
5. ميراث الأنثى: المرأة اليهوديّة لا ترث إذا كان لديها ذرّيّة من البنين، ولا ترث إذا كان لها إخوة، والبنت تحرم من الإرث إذا كان للميّت أولاد ذكور، فإن لم يكن للميّت أولاد ذكور فميراثه لأصوله الذّكور وأحقّهم الأب ويأخذ كلّ التّركة، ولا شيء للأم في ميراث أولادها سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا. ويعتبر الزّوج هو الوارث الوحيد لزوجته، بينما الزّوجة لا ترث من زوجها. والحمل الّذي في بطن أمّه لا يرث إذا مات مورّثه إلاّ إذا كان ذكرًا أمّا الأنثى فلا حظّ لها في الميراث، وعلى العموم التّركة لا تؤول إلى الإناث إلاّ في حالة انعدام الذّكور وفروعهم. وواضح ما في هذا النّظام من غمط وظلم للإناث، وإيثار للذّكور لغير مبرّر معقول. أمّا الإسلام فإنّه وسّع دائرة توريث الإناث، ومنع حجب الأمّ والبنت والزّوجة حجب حرمان، وأضاف إلى هؤلاء الثّلاث: بنت الابن، والأخت الشّقيقة والأخت لأب والأخت لأم، والجدّة من قبل الأمّ ومن قبل الأب، بالشّروط المعروفة في علم الميراث. ويرى بعض الفقهاء توريث ذوي الأرحام كالخالات والعمّات وبنات الإخوة وغيرهنّ، إذا لم يكن ثمّة أصحاب فروض ولا عصبات.
والإشكاليّة الّتي اعتاد خصوم الإسلام إثارتها هنا هي أنّ الإسلام أعطى البنت نصف ميراث الابن، ومثلها الأخت الشّقيقة أو لأب بالنّسبة للإخوة. والجواب: ليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس، إنّما أمر تفاوت في التّبعة اقتضى تفاوتًا في الإرث. فالإسلام أعطى الذّكر من الميراث ضعف ما أعطى الأنثى لأنّه أوجب عليه من التّكاليف ما لم يوجب عليها، وهذا هو عدل الإسلام، لأنّ العدل ليس هو المساواة دائماً بل هو التّكافؤ بين الحقوق والواجبات. ومن المهمّ هنا أن أنبّه على أنّ قاعدة تفضيل الذّكر على الأنثى في الميراث ليست مطّردة، فهناك حالات كثيرة يكون فيها نصيب الأنثى مثل نصيب الذّكر، أو يكون نصيبها أعلى من نصيب الذّكر، أو ترث الأنثى ولا يرث نظيرها من الذّكور.
6. شهادة المرأة : الإسلام يجعل شهادة الرّجل تساوي شهادة امرأتين في المعاملات وشؤون المال، وليس ذلك لنقص في إنسانيّة المرأة بل لأنّها بفطرتها لا تشتغل غالبًا بهذه الأمور، ومن ثمّ تكون ذاكرتها أضعف من ذاكرة الرجل، وعلّل القرآن ذلك بعلّة يقبلها العقل: ((أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ))[البقرة: 282]. ولكن ما علّة جعل الدّيانة اليهوديةّ شهادة مائة امرأة تعادل شهادة رجل واحد؟! ليس هناك من علّة سوى النّظرة الدّونيّة الّتي تستحقر المرأة لا لشيء إلاّ لأنّها أنثى.
7. الزّواج من غير رضاها : المرأة اليهوديّة إذا مات زوجها وليس له ابن فالتّوراة تفرض على أخيه أن يدخل عليها ويتّخذها زوجة له. بينما أعطى الإسلام للمرأة الحقّ في اختيار الزّوج وجعل رضاها شرطاً من شروط الزّواج، ولم يفرض على المرأة ولا على الرّجل أن يتزوّجا من غير رضاهما.
8. إجبارها على البقاء مع زوج تكرهه : المرأة في التّوراة لا تستطيع أن تطلب الطّلاق من زوجها مهما كانت عيوبه أو مضارّته لها. بينما أتاح الإسلام للمرأة الكارهة لزوجها – لسوء خلقه معها أو لعجزه البدنيّ أو الماليّ أو لغير ذلك من الأسباب - عدّة مخارج، منها عن طريق الخُلع، ومنها أن ترفع أمرها إلى القضاء فيحكم بالتّفريق بينهما دفعاً للضّرر عنها...الخ.
وهناك تفاصيل أخرى كثيرة أعرضت عن ذكرها خشية الإطالة.
فبئسما اختارت هذه الفنّانة لنفسها حين استبدلت الّذي هو أدنى بالّذي هو خير، وتخلّت عن دين الإسلام الّذي ارتضاه الله لعباده ولم يرتض لهم غيره ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[آل عمران: 85]. ((وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))[البقرة: 217].



آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...