• 2022-09-16

إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات

د.علي عبدالغفار

الكاتب / د.علي عبدالغفار

لو سألت مدير شركة أو مؤسسة عن معلومات وبيانات شركته لَأفاض عليك وزيادة بتقارير شفوية وأخرى مكتوبة، لكنه يقف ولا يحرك ساكناً حينما تسأله عن معلومات حول شخصيته، وعن معرفة ذاته وعن ميوله ونقاط قوته وضعفه، ولسان حاله يقول "من أين أُحضِر لك هذه المعلومات وهي ليست بالأرشيف وليست عند السكرتير!".
بادرني زميل وعرض عليَّ عدداً من خطط شركته التي يُديرها، منها خطط استراتيجية وأخرى تشغيلية، وكيف أنه وضع خططاً مُحكمة وطموحات عالية للشركة، قابلة للتنفيذ من خلال جملة من الوسائل والإجراءات التي يمكن أنْ تُحقق أهداف الشركة. وبعد الثناء على ما قدم، نظرتُ إليه بشغف وقلت له: وأين خطتك لذاتك؟ وكيف ترى نفسك بعد خمس سنوات؟ وماذا تريد من نفسك وما هي أهدافك؟ فسقطت منه الخطط وهو ينظر لي بمزيج من مشاعر الصدمة والاندهاش ومشاعر الحسرة، ثم تركني وترك الخطط ملقاة على الأرض!
واستوقفني آخر وناقشني حول تصميمه لعدد من استمارات تقييم أداء العاملين بمؤسسته، وكيف أن التقييم يعتمِد على النظم الحديثة من معايير حقيقية ومؤشرات دقيقة في قياس أداء العاملين. وحينما طلبت منه استمارة تقييم أدائه هو بدا متعجباً، وقال ليس هناك مدير أعلى مني حتى يقوم بتقييمي. فقلت له: هل قمت أنت بتقييم ذاتك؟ وهل راجعت مدى انفعالك أمام المواقف؟ وهل قيَّمت مدى تحقيق أهدافك التي وضعتها لنفسك؟ وهل راجعت اهتماماتك وتطلعاتك؟ وهل قيَّمت علاقاتك ومدى تواصلك مع الآخرين؟ فوقف يترنَّح بين الاندهاش والخجل مني!
وهكذا نجد كثيراً من الأشخاص يهتمون بغيرهم دون أنفسهم.. يركزون على نجاح شركاتهم ولا يركزون على نجاح أشخاصهم.. يحاولون تغيير مؤسساتهم إلى الأفضل ولا يحاولون تغيير أنفسهم. وإذا كان هذا النموذج متكرراً فإن هؤلاء المساكين قد وقعوا بين فشلين؛ حيث من الصعوبة تحقيق ما خطَّطوا له بشأن مؤسساتهم. ولْنعلم "إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"، هذا إضافة إلى أن الواحد منهم نسي نفسه وأهملها وتركها دون تحكم، ففشل في حُسن إدارة ذاته.
فقبل أن تفكر في تحسين إدارة مؤسستك وتطويرها يجب أن تفكر في إدارة نفسك أولاً، فليس من المعقول أن تطلب ضبط المؤسسة والشركة ولا تطلب من نفسك الانضباط، وليس من المعقول أن تخطط وتضع أهدافاً لشركتك وأنت ليست لديك أهداف أو خطط أو طموحات، وليس من المنطق أن تريد التغيير لشركتك وأنت ثابت لا تتغير ولا تُنمِّي ذاتك! وكما هو دارج في المثل " فاقد الشَّيء لا يعطيه ومَنْ لا يملك علمًا أو خُلُقًا لا يُنتظَر منه أن يعلِّمه للآخرين".
لو ترسَّخ هذا المفهوم لدى المسئولين والمديرين لتبدلت الأولويات، وأصبح الاهتمام بالنفس وتطويرها الأولوية الأولى.
ولو وصلنا لهذا المفهوم وهذه القناعة لأصبحت إدارة الذات قبل إدارة المؤسسات.

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...